فصل: 11- التعجيل بأدائها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.4- حكم مانعها:

الزكاة من الفرائض التي أجمعت عليها الأمة واشتهرت شهرة جعلتها من ضروريات الدين، بحيث لو أنكر وجوبها أحد خرج عن الإسلام، وقتل كفرا، إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام، فإنه يعذر لجهله بأحكامه.
أما من امتنع عن أدائها - مع اعتقاده وجوبها - فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن الإسلام، وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهرا ويعزره، ولا يأخذ من ماله أزيد منها، إلا عند أحمد والشافعي في القديم، فإنه يأخذها منه، ونصف ماله، عقوبة له لما رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود، والحاكم، والبيهقي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنة لبون لا يفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لآل محمد منها شئ».
وسئل أحمد عن إسناده فقال: صالح الاسناد.
وقال الحاكم في بهز: حديثه صحيح.
ولو امتنع قوم عن أدائها - مع اعتقادهم وجوبها، وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون عليها حتى يعطوها.
لما رواه البخاري، ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله».
ولما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر: كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله تعالى؟ فقال: والهل لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. فقال عمر: فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.
ولفظ مسلم، وأبي داود، والترمذي: لو منعوني عقالا بدل عناقا.

.5- على من تجب؟:

تجب الزكاة على المسلم الحر المالك للنصاب، من أي نوع من أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة.
ويشترط في النصاب:
1- أن يكون فاضلا عن الحاجات الضرورية التي لا غنى للمرء عنها، كالمطعم، والملبس، والمسكن، والمركب، وآلات الحرفة.
2- وأن يحول عليه الحول الهجري، ويعتبر ابتداؤه من يوم ملك النصاب، ولابد من كماله في الحول كله.
فلو نقص أثناء الحول ثم كمل اعتبر ابتداء الحول من يوم كماله.

قال النووي: مذهبنا، ومذهب مالك، وأحمد، والجمهور: أنه يشترط في المال الذي يجب الزكاة في عينه - ويعتبر فيه الحول، كالذهب، والفضة والماشية - وجود النصاب في جميع الحول، فإن نقص النصاب في لحظة من الحول انقطع الحول.فإن كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين يكمل النصاب.
وقال أبو حنيفة: المعتبر وجود النصاب في أول الحول وآخره، ولا يضر نقصه بينهما، حتى لو كان معه مائتا درهم، فتلفت كلها في أثناء الحول إلا درهما، أو أربعون شاة، فتلفت في أثناء الحول إلا شاة، ثم ملك في آخر الحول تمام المائتين وتمام الأربعين، وجبت الزكاة الجميع.
وهذا الشرط لا يتناول زكاة الزروع والثمار فإنها تجب يوم الحصاد قال الله تعالى {وآتوا حقه يوم حصاده}.
وقال العبدري: أموال الزكاة ضربان، أحدهما ما هو نماء في نفسه،
كالحبوب، والثمار، فهذا تجب الزكاة فيه، لوجوده.
والثاني ما يرصد للنماء كالدراهم، والدنانير، وعروض التجارة، والماشية، فهذا يعتبر فيه الحول، فلا زكاة في نصابه حتى يحول عليه الحول، وبه قال الفقهاء كافة، انتهى، من المجموع للنووي.

.6- الزكاة في مال الصبي والمجنون:

يجب على ولي الصبي والمجنون أن يؤدي الزكاة عنهما من مالهما، إذا بلغ نصابا.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة» وإسناده ضعيف، قال الحافظ: وله شاهد مرسل عند الشافعي. وأكده الشافعي بعموم الأحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة مطلقا.
وكانت عائشة رضي الله عنها تخرج زكاة أيتام كانوا في حجرها.

قال الترمذي: اختلف أهل العلم في هذا: فرأى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مال اليتيم زكاة، منهم عمر، وعلي، وعائشة، وابن عمر، وبه يقول مالك، والشافعي وأحمد، وإسحق.
وقالت طائفة: ليس في مال اليتيم زكاة، وبه يقول سفيان وابن المبارك.

.7- المالك المدين:

من كان في يده مال تجب الزكاة فيه وهو مدين أخرج منه ما يفي بدينه وزكى الباقي، إن بلغ نصابا، وإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه، لأنه في هذه الحالة فقير والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صدقة إلا عن ظهر غني» رواه أحمد. وذكره البخاري معلقا.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم». ويستوي في ذلك الدين الذي عليه لله، أو للعباد، ففي الحديث: «فدين الله أحق بالقضاء» وسيأتي.

.8- من مات وعليه الزكاة:

من مات وعليه الزكاة، فإنها تجب في ماله وتقدم على الغرماء والوصية والورثة، لقول الله تعالى في المواريث: «من بعد وصية يوصي بها أو دين» والزكاة دين قائم لله تعالى.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: «لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟!» قال: نعم. قال: «فدين الله أحق أن يقضى». رواه الشيخان.

.9- شرط النية في أداء الزكاة:

الزكاة عبادة، فيشترط لصحتها النية، وذلك أن يقصد المزكي عند أدائها وجه الله، ويطلب بها ثوابه ويجزم بقلبه أنها الزكاة المفروضة عليه. قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}.
وفي الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى». واشترط مالك والشافعي: النية عند الاداء. وعند أبي حنيفة: أن النية تجب عند الاداء أو عند عزل الواجب. وجوز أحمد تقديمها على الاداء زمنا يسيرا.

.10- أداؤها وقت الوجوب:

يجب إخراج الزكاة فورا عند وجوبها، ويحرم تأخير أدائها عن وقت الوجوب، إلا إذا لم يتمكن من أدائها فيجوز له التأخير حتى يتمكن.
لما رواه أحمد والبخاري عن عقبة بن الحارث قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فلما سلم، قام سريعا فدخل على بعض نسائه. ثم خرج، ورأى ما في وجوه القوم من تعاجبهم لسرعته، قال: «ذكرت وأنا في الصلاة تبرأ عندنا، فكرهت أن يمسى أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته».
وروى الشافعي، والبخاري في التاريخ عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته» رواه الحميدي وزاد، قال: «يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها، فيهلك الحرام الحلال».

.11- التعجيل بأدائها:

يجوز تعجيل الزكاة وأداؤها قبل الحول ولو لعامين.
فعن الزهري: أنه كان لا يرى بأسا أن يعجل زكاته قبل الحول.
وسئل الحسن عن رجل أخرج ثلاث سنين، يجزيه؟ قال: يجزيه.

قال الشوكاني: وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وبه قال الهادي، والقاسم، قال المؤيد بالله: وهو أفضل.
وقال مالك، وربيعة، وسفيان الثوري، وداود، وأبو عبيد بن الحارث، ومن أهل البيت، الناصر: إنه لا يجزئ حتى يحول الحول.
واستدلوا بالأحاديث التي فيها تعلق الوجوب بالحول وقد تقدمت، وتسليم ذلك لا يضر من قال بصحة التعجيل لأن الوجوب متعلق بالحول فلا نزاع، وإنما النزاع في الاجزاء قبله. انتهى.
قال ابن رشد: وسبب الخلاف، هل هي عبادة أو حق واجب للمساكين؟ فمن قال: إنها عبادة، وشبهها بالصلاة، لم يجز إخراجها قبل الوقت، ومن شبهها بالحقوق الواجبة المؤجلة، أجاز إخراجها قبل الاجل على جهة التطوع.
وقد احتج الشافعي لرأيه بحديث علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه ومسلم استسلف صدقة العباس قبل محلها، انتهى.

.12- الدعاء للمزكي:

يستحب الدعاء للمزكي عند أخذ الزكاة منه.
لقول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم}.
وعن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بصدقة قال: «اللهم صل عليهم».
وأن أبي أتاه بصدقة فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى». رواه أحمد وغيره.
وروى النسائي عن وائل بن حجر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة -: «اللهم بارك فيه وفي إبله».
قال الشافعي: السنة للامام - إذا أخذ الصدقة - أن يدعو للمتصدق، ويقول: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت.

.الأموال التي تجب فيها الزكاة:

أوجب الإسلام الزكاة في الذهب، والفضة، والزروع، والثمار وعروض التجارة والسوائم، والمعدن، والركاز.

.زكاة النقدين: الذهب والفضة.

.وجوبها:

جاء في زكاة الذهب والفضة، قول الله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}.
والزكاة واجبة فيهما، سواء أكانا نقودا، أم سبائك، أم تبرأ، متى بلغ مقدار المملوك من كل منهما نصابا، وحال عليه الحول، وكان فارغا عن الدين، والحاجات الاصلية.

.نصاب الذهب ومقدار الواجب:

لا شيء في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا، فإذا بلغ عشرين دينارا، وحال عليها الحول، ففيها ربع العشر، أو نصف دينار، وما زاد على العشرين دينارا يؤخذ ربع عشره كذلك، فعن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارا، فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول» رواه أحمد، وأبو داود، والبيهقي، وصححه البخاري، وحسنه الحافظ.
وعن زريق مولى بني فزارة: أن عمر بن عبدالعزز كتب إليه - حين استخلف -: خذ ممن مر بك من تجار المسلمين - فيما يديرون من أموالهم - من كل أربعين دينارا: دينارا، فما نقص فبحساب ما نقص حتى يبلغ عشرين، فإن نقصت ثلث دينار فدعها، لا تأخذ منها شيئا، واكتب لهم براءة بما تأخذ منهم، إلى مثلها من الحول، رواه ابن أبي شيبة.
قال مالك في الموطأ: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارا كما تجب في مائتي درهم.
والعشرون دينارا تساوي 28 درهما وزنا بالدرهم المصري.
نصاب الفضة ومقدار الواجب: وأما الفضة، فلا شيء فيها حتى تبلغ مائتي درهم، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها ربع العشر، وما زاد فبحسابه، قل أم كثر، فإنه لا عفو في زكاة النقد بعد بلوغ النصاب.
فعن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة الفضة من كل أربعين درهما: درهم، وليس في تسعين ومائة شئ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم» رواه أصحاب السنن.
قال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: صحيح.
قال: والعمل عند أهل العلم، ليس فيما دون خمسة أوراق صدقة، والاوقية أربعون درهما، وخمس أوراق مائتا درهم.
والمائتا درهم 9 / 27 7 ريالا و5 / 555 قرشا مصريا.

.ضم النقدين:

من ملك من الذهب أقل من نصاب، ومن الفضة كذلك لا يضم أحدهما إلى الاخر، ليكمل منهما نصابا، لأنهما جنسان: لا يضم أحدهما إلى الثاني، كالحال في البقر والغنم، فلو كان في يده 199 درهما وتسعة عشر دينارا، لا زكاة عليه.